Saturday, October 6, 2018

ضحايا القمع التركي يحتاجون إلى ما هو أكثر من الاعتذار


ضحايا القمع التركي يحتاجون إلى ما هو أكثر من الاعتذار


نسمع في كل يوم عن آلاف الأشخاص الذين تأثروا بالمراسيم التي أصدرتها الحكومة في إطار حالة الطوارئ المستمرة في تركيا. ففي بلد مثل تركيا، حيث اعتُقل الآلاف ويموت المئات جراء العنف كل شهر، من السهل أن تتحول حياة الناس إلى أرقام. واليوم، أريد أن أشارككم قصة من آلاف القصص هذه.
كان غوجان أجيكولو مدرس تاريخ شاب فُصل من عمله بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو عام 2016 طبقا لمرسوم حالة الطوارئ. واعتُقل أجيكولو في 25 يوليو من العام نفسه بسبب ادعاءات بأن له صلات بحركة غولن، التي تشير إليها أصابع الاتهام فيما يتعلق بتنفيذ الانقلاب.
وظل أجيكولو قيد الاحتجاز لدى الشرطة لمدة 13 يوما. وتعرض خلال فترة الاعتقال هذه إلى التعذيب الجسدي والنفسي. فقد كان يتم اقتياده يوميا من زنزانته وتعذيبه. وبعد ذلك، نُقل بسرعة إلى المستشفى عندما ساءت حالته. وأخبر أجيكولو أطباءه عن التعذيب الذي تعرض له، ولم يتم أخذ إقرار رسمي منه أبدا. وبعدما مكث 13 يوما قيد الاعتقال، أُعلن عن وفاته جراء تعرضه لأزمة قلبية.
وقال الأشخاص الذين كانوا مع أجيكولو في الزنزانة إنه مات جراء التعذيب. وأعدت الأستاذة شيبنام كورور فينجانجي، رئيسة منظمة حقوق الإنسان في تركيا، تقريرا عن وفاته. وخلصت فينجانجي في التقرير إلى أن أجيكولو مات بسبب التعذيب الذي تعرض له.
ولم ينته التعذيب بعد موته، فعندما ذهبت أسرته إلى معهد إسطنبول للطب الشرعي للمطالبة بجثمانه، أخبرتهم السلطات أنهم يمكنهم استلام جثمانه شريطة أن يتم دفنه في "مقبرة الخونة". وأعدت بلدية إسطنبول الكبرى مقبرة الخونة بعد محاولة الانقلاب لدفن الخونة المزعومين.
وبسبب ردود الفعل المضادة القوية، لم يتم دفن أي شخص أبدا في المقبرة. وبعد محاولة الانقلاب، نشرت رئاسة الشؤون الدينية التركية بيانا عاما قالت فيه "إنه لا يجب أداء صلاة الجنازة على الخونة. ومن ثم، رفض الأئمة غُسل جثمانه وأداء الشعائر الجنائزية وصلاة الجنازة على جثمان أجيكولو."
والشهر الماضي، أي بعد مرور 18 شهرا على وفاته، أعادت وزارة التعليم أجيكولو بعد وفاته في اعتراف ضمني على براءته. وقالت الوثيقة الرسمية التي أُرسلت إلى زوجته، التي فُصلت هي الأخرى من عملها في وزارة التعليم بموجب مرسوم حالة الطوارئ، ببساطة "معذرة".
ولم يكن أجيكولو هو الوحيد الذي تعرض لذلك. فطبقا لتقرير صادر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، فإن "التمديدات الروتينية لحالة الطوارئ في تركيا أدت إلى انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان تعرض لها مئات الألوف من الأشخاص – وتنوعت هذه الانتهاكات بدءا من الحرمان التعسفي من الحق في العمل وحرية الحركة، إلى التعذيب وسوء المعاملة، إلى حالات الاعتقال التعسفي وانتهاكات حقوق حرية إنشاء الجمعيات وحرية التعبير".
ويقول التقرير إن السلطات اعتقلت 160 ألف شخص وطردت 152 ألف من الموظفين المدنيين، والمدرسين، والقضاة، والمحاميين، والأطباء، والعاملين في المجال الأكاديمي من وظائفهم خلال فترة حالة الطوارئ المستمرة في تركيا منذ 18 شهرا.
ومع عدم وجود وسائل إعلام مستقلة، فليس من السهل سماع أصوات هؤلاء الأشخاص. فبعضهم فقد أفراد أسرته، وبعضهم توفي خلال محاولته مغادرة البلاد وانتحر البعض الآخر. وخلال الأسبوعين الماضيين، انتحر ثلاثة أشخاص ممن أثرت عليهم مراسيم الطوارئ. وترك كل منهم أسرة ورائه. ومازال الشعور بهذه التكلفة مستمرا.
وأعدت منصة الحقوق والعدالة، وهي منظمة غير حكومية تركية ذات توجهات إسلامية، تقريرا مفصلا عن هؤلاء الآلاف. وطبقا للتقرير، الذي حمل عنوان "الأعباء الاجتماعية لحالة الطوارئ في تركيا"، فإن أكثر من 1.2 مليون شخص تأثروا بمراسيم الطوارئ. فقد فقدوا وظائفهم، ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي. كما أنهم يعاملون مثل الخونة والإرهابيين. ويقول التقرير عن ضحايا مرسوم الطوارئ "إنهم يتنفسون فقط، إنهم أحياء لكن كالموتى". وقال العديد منهم إنه عانى من التعذيب في السجون وراودته أفكار الانتحار. فيقول أحدهم:
"حاولت الانتحار بسبب الادعاءات بأنني خائن وإرهابي، وأنا لم أفعل أي شيء يستحق هذا كله. فلم أتلقَّ أبدا تحذيرا رسميا في حياتي. أنا أتمسك بالحياة فقط لأن لدي أطفالاً صغاراً وهم بحاجة إلي."
وأبلغ العديد من ضحايا مراسيم حالة الطوارئ وعائلاتهم عن معاناتهم من مشاكل نفسية خطيرة وقالوا إن الأمل تبدد لديهم. فقد فقدوا الثقة في الناس. وتوقف جيرانهم وأعضاء شبكتهم الاجتماعية عن تحيتهم، كما توقف أيضا أفراد أسرهم عن تحيتهم. لقد استُبعدوا تماما من المجتمع.
وقال أحدهم "رفضني اثنان من إخوتي. فاضطررت إلى مغادرة المنزل. ولم يعد أي من أصدقائي يتصل بي".
وتابع بالقول "لم يتصل بي أحد منذ شهور. لا يرغب الناس في التواصل معي. ولم يعد جيراني يسلمون علي. واعتقل أصدقائي واحدا تلو الآخر. أصبحت منبوذا في العالمين الاجتماعي والافتراضي. يرفض الجميع أن أعمل عندهم. وأنا أيضا توقفت عن البحث عن عمل".
واليوم يعيش الألوف منبوذين اجتماعيا بدون عمل وبدون أمل في المستقبل. فكل هؤلاء يعيشون في حالة من عدم يقين وانعدام الأمن تماما.
وخلال كتابة هذا المقال، شاهدت مقابلة مع أسرة أجيكولو عدة مرات. وعندما وصلت المقابلة إلى نقطة المطالبة بجثمانه، كان والده يحاول الحديث إلى الكاميرات. فقد كان يغالب دموعه. ولم يصدق أن ابنه سيدفن في مقبرة الخونة. وقال وهو يغالب دموعه:
"لم يأخذوا أي إقرار سمي من ابني. إنها مثل جمهورية الموز. نحن لا نستطيع المطالبة بحقوقنا، لا يمكننا فعل أي شيء. كيف يتم اتهام ابني بأنه خائن بدون إقراره بذلك؟ كيف أدفنه في مقبرة الخونة؟ يقولون إنه تعرضوا للخداع من قبل أنصار (فتح الله) غولن، فربما قد تعرض ابني هو الآخر للخداع."
وبالتأكيد، فإن حياة هؤلاء الأشخاص تحتاج إلى ما هو أكثر من قول "معذرة".




يمكن قراءة المقال باللغة الإنكليزية أيضا:

*As published on Ahval on 04.04.2018

No comments:

Post a Comment