في الوقت الذي كان الجيش التركي يقصف فيه مناطق من مدنه في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية في يناير عام 2016، كنت أجهز للجنة في مؤتمر بالبرلمان الأوروبي في بروكسل.
بعد الترحيب بالحضور الذين كان بينهم برلمانيون، اتصلت بمحمد تونج الذي كان يحتمي في قبو بمدينة سيزري التي أعلن منها الجناح الشبابي بحزب العمال الكردستاني الحكم الذاتي وحفر خنادق ونصب متاريس ليمنع قوات الأمن من دخولها.
رد الجيش والشرطة بنيران دبابات ومدفعية وأرسل قوات خاصة لسحق التمرد.
وصلت هاتفي المحمول بمكبر الصوت في القاعة وقال تونج:
ما يحدث في سيزري مأساة بالتأكيد. أصيب 28 شخصا في منزل، وفقد خمسة منهم حياتهم بسبب كميات الدماء التي نزفوها. ولا توجد مياه متبقية. نترك المبنى لجلب الماء ويصيبنا القناصة بالرصاص ولذلك لا نستطيع الخروج. هجمات قذائف المورتر دمرت بالكامل المبنى المؤلف من أربعة طوابق، وأنا داخل هذا المبنى الآن. الموقف حرج. ولهذا أناشد أصدقائنا عندك. من فضلكم أوقفوا هذه الوحشية. أنتم أقوياء بما يكفي لوقف هذه المذبحة في سيزري. أنتم أقوياء بما يكفي لتحذير حكومة حزب العدالة والتنمية ورفع الحصار عن سيزري. وإن فشلتم في ذلك فستصبحون متواطئين في المذبحة هنا.
أنصت أعضاء البرلمان الأوروبي للمكالمة لكنهم لم يفعلوا شيئا للناس المحاصرين تحت المنازل في سيزري.
بعد عشرة أيام من المؤتمر، وفي الثامن من فبراير 2016، أحرق تونج حيا مع آخرين. أكثر من 150 شخصا أحرقوا حتى الموت في أقبية سيزري. وشاهد البرلمان الأوروبي مقتل الناس الذين ناشدوا المجلس وطلبوا المساعدة.
حي سور في مدينتي ديار بكر كان من بين مناطق قصفتها الدولة في الفترة بين ديسمبر 2015 وحتى مارس 2016. وطلبت جمعيات لحقوق الإنسان ونشطاء من البرلمان الأوروبي والدول الأوروبية القيام بشيء لوقف القصف وحظر التجول الذي فرضه الجيش وإجراءات أخرى.
وانتظرنا مجددا. ولم يأت أحد.
ودمر القصف نصف سور بالكامل وهو المركز التاريخي لديار بكر الذي يعود جذوره إلى خمسة آلاف عام.
وبعد ذلك، فرض الجيش حظرا للتجول وشن عمليات عسكرية في مدن نصبين وشرناق ويوسيكوفا، وقد قمت بزيارة هذه المدن بعد رفع حظر التجول ووجدت القصف دمر نصف نصبين ويوسيكوفا.
كانت الجثث تحت الأنقاض، وأخذت الأمهات في البحث عن جثث أطفالهن. وكان الأسوأ في شرناق. وبعد ثمانية أشهر من الحظر دُمر 70 في المئة من المدينة بالكامل. واختفت تماما ثمانية من أحياء المدينة الاثنى عشر. وقد أصبت بصدمة فلم أتمكن من العثور على أماكن مألوفة، ولم أجد مركز المدينة وكان من الصعب علي تصديق أنني في شرناق.
ومرة أخرى، انتظرنا ولم يأت أحد، ولم يحدث شيء.
وازداد كل شيء سوءا بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016. فبعد خمسة أيام، أُعلنت حالة الطوارئ ولا تزال سارية. البلد محكومة بالمراسيم التي لها نفس قوة القوانين. وقد استغلت الحكومة محاولة الانقلاب وحكم الطوارئ لقمع كل المعارضة. فقد أقيل أكثر من 150 ألف شخص من وظائفهم، وسُجن أكثر من 50 ألفا آخرين. وأغلقت حوالي 2000 منظمة مجتمع مدني و177 منفذا إعلاميا ومحطة تلفزيونية وصحيفة. ودخل السجن أكثر من 150 صحفيا وكاتبا.
المنطقة الكردية تشهد الأسوأ. عينت الدولة مسؤولين إداريين ليحلوا محل رؤساء بلديات منتخبين مؤيدين الأكراد في عشرات من البلديات. وأُغلقت وسائل الإعلام الكردية كلها تقريبا بما فيها محطة كردية للأطفال. وأُقيل ألوف من المدرسين الأكراد من وظائفهم، وسُجن رؤساء بلديات أكراد وبرلمانيون. وأغلق المجال السياسي أمام الشعب الكردي.
مرة أخرى انتظرنا ولم يأت أحد ولم يحدث شيء.
خرج البرلمان التركي عن العمل. وظيفته التشريعية عطلت وأغلقت بالكامل قنوات المعارضة الديمقراطية. ويتم كل يوم إسكات أي صوت منتقد، وتركيا اليوم سجن كبير خاصة بالنسبة لمن يطالبون بالسلام والديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة.
انقسمت البلاد إلى شطرين: مؤيدو حزب العدالة والتنمية الحاكم وباقي الشعب. ومن لا يؤيد سياسات حزب العدالة والتنمية لم يعد مواطنا في نظر الدولة. وبكل أمانة، لم أعد متأكدة هل تركيا دولة بعد كل هذا.
المرسوم الجديد 696 منح حصانة للمدنيين "الذين حاربوا ضد محاولة الانقلاب في 2016 والأعمال الإرهابية التي تبعته".
جرى تفسير المرسوم ليعني أن بعض المدنيين المسلحين الذين قتلوا أناسا يصنفون كإرهابيين لن يمثلوا أمام القضاء. هذه نهاية الدولة الحديثة وهذا يأخذنا إلى الوراء إلى العصور البدائية حيث يمكن لشخص أن يقتل شخصا آخر دون عواقب.
ونحن، مواطنو تركيا الذين ينتقدون سياسيات حزب العدالة والتنمية يمكن بسهولة أن نُصنف كإرهابيين، ويمكن قتلنا ووضعنا في السجون أو إجبارنا على ترك البلاد.
حتى في سيارة الأجرة إن تحدثت منتقدا الرئيس رجب طيب أردوغان فيمكن أن يتم الإبلاغ عنك وتجد الشرطة تداهم منزلك. وتوجد أمثلة كثيرة لهذا في تركيا حتى بدا أنه سيكون من الصعب أن يبقى شخص ليكافح من أجل السلام والديمقراطية والحرية والعدالة في هذا البلد خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأوروبا لا تزال تشاهد القسوة التي ترتكب ضد أنصار السلام والديمقراطية والحرية.
لكننا لم نعد ننتظر ونعرف أننا وحدنا حقا.
يمكن قراءة المقال باللغة الإنكليزية أيضا:
*As published on Ahvalnews on 15.02.2018
No comments:
Post a Comment